سيمفونية الوداع
قصة قصيرة
خالد النهيدي

كان في البيت أو بالفيلا بمعنى اصح التي يسكنها ، في ولاية كاليفورنيا الأمريكية ، عندما رن هاتفه المحمول ورأى الاتصال المفاجئ الذي لم يكن يتوقعه ابداً ، بعد ما يقارب ثلاثين سنة من الغياب ، أخذ يبتسم فاغراً فاه و هو يرى الرقم الغريب على شاشة الجوال ، يسافر عبر الأثير ، من موطنه الحبيب و مسقط رأ سه ، لم يخرج من حالة الدهشة منه بعد حتى رد عل المكالمة ، بكل اشتياق السنين ، لم يستطع مقاومة اللهفة و الحنين في داخله ، حتى رد على المكالمة
– الو من معي ؟
صوته يقول للعالم كلي اشتياق لريحة البن و أجواء صنعاء الماطرة ، و الاجتماع مع الأهل و الأحبة في ربوع السعيدة .
رد المتصل بسعاله المتقطع و صوته المبحوح الذي يترجم كل معاني البؤس والحرمان
– ( نعمان سالم )
ياه !!! ، أيعقل ، امعقول ، أبعد هذا العمر الطويل لا زلت تذكرني ، و لكن من أين أتيت برقمي ؟ وكيف حالك و أحولك ؟ !
– أما عن الرقم فقد شكلت فرقة بحث مكثفة تأتي إليَُ برقمك ، و سألت كل من يعرفني و يعرفك ، بعد أن سئمت البحث في دهاليز الغياب ، فأنت صديقي المهم الأهم ، أما عن حالي فهذا ما دفعني إلى الاتصال بك بعد هذا العمر الطويل .
– تفضل يا صديقي كلى آذان صاغية ، يفداك ما فات من العمر و ما هو آت . – يا صديقي لقد تكالبت عليَ هموم الحياة و صرت خلاصة للأحداث المريرة التي تراها على شاشة التلفاز من فقر و جوع و مرض ، و سعالي المتقطع و صوتي المبحوح يشرح لك ما تبقى من تفاصيل لا أستطيع ذكرها ، حفظاً لما تبقى لي من كبرياء . تمتم الصديق الأمريكاني رفيق الدرب و خليل العمر و هو يتخيل معالم قريته الغارقة وسط أكوام الضباب ، و أعواد السنابل تتراقص مع زخات المطر و كأنها تعزف سيفونية الوداع الأخير ، القابع الآن بجوار زوجته الحسناء فارعة الطول ذات القوام الفرنسي الأنيق ، في مدينته الثلجية و في بيته الفاخر الجميل ..
– ( لا اله الا الله محمد رسول الله ) لا عليك كل شيء سيكون أفضل بإذن الله ، أقل الواجب نحن عشرة عمر فقط أعطني اسمك الكامل باللغة الإنجليزية و العربية و أنتظر مني رسالة على الواتس أو اتصال مباشر .. أنهى نعمان سالم المكالمة التي استدان قيمتها ، بعد أن تمتم هو أيضاً ببعض عبارات الشكر و التقدير و جمع أطفاله من حوله و أخذ يحكي لهم عن ماضيه الجميل مع صديقة الأمريكاني ، و أن الصديق وقت الضيق و الرجولة مواقف ، و بعض حكايات الوفاء حتى خارت قواهم واستسلموا للنوم و هم يعدوا النجوم ، عل أمل أن يأتي السراب و يوقظهم يوماً ما .
الإهداء .. إلى صديقي المتواجد خلف اطنان الذكريات وبحور الشوق واللهفة والحنين (إلى الاستاذ محمد تقي )